لغة الأصفاد... و مفردات الضياع / الولي ولد سيدي هيبه |
الأربعاء, 15 أكتوبر 2014 17:28 |
و إن أيّ خلل يحدث في الخريطة الجينية والمورثات لدى الفرد يخلق مولوداً غير صحي، مُعوّق ذهنياً وبدنياً، كذلك حال اللغة أيضاً، فأي ضغطٍ أو حظرٍ عليها أو شحن بميت المفردات و سقيمها و الحامل لمثبطات القيم، يخلق شخصيةً غير مستقرة، وشعبا متوترا اجتماعياً وسيكولوجيا، لأن اللغة هي مصدر الإبداع ووسيلة للتعبير الثقافي و هي التي تجعل النمو الفكري والوعي والذهنية والعقلية تتطور تطورا سليما؛ الأمر الذي ينشئ بدوره مجتمعاً صحياً، ويؤثر في مستوى التعليم ونتائجه، و الإدارة والأعمال و التسيير و أيضا في مسطرة المعاملات و دفتر المسلكيات كما يؤثر في مصادر المعلومات و المعرفة أيضاً. و لا شك أن مجتمعا... ما زال يعمل بمعجم لغوي موغل في جهالة الظلامية و بالإسراف الشديد في استخدام مفرداته الغابرة، المسكونة بروح الخرافة الطافحة بقوى الشر التي تُستدعى بسوء الطوية لنفث سموم الغل و تحكيم عوامل الظلم في الجماد و العباد... هو مجتمع لا يُنافس في زمن تحدى فيه العقلُ العلمَ ثم آخاه فغير خارطة الوجود بشقيها المادي و المعنوي، كما فتح به للروحيات آفاقا نيرة من الهدي الرباني من خلال فهم جديد و تبصير بإعجازه المبين متحررين بتاتا من قيود الجمود و القصور. إنها المفردات التي إن قام و صح التأمل فيها مليا، بإرادة نافذة و بتجرد من كل عوامل الترهيب و التقييد التي ضربت بأسوارها المظلمة السميكة على عقول و إدراك المواطنين في سياق مجتمعي ممنوع من الخروج من نقطته السوداء إلى رحاب مجرة الضياء، لأوحَت بجملة من الملاحظات الهامة و لمَهدت و لو بأقل قدر من المُرضِي طريقا سالكا إلى المساءلة و لفتحت كذلك الباب مشرعا أمام الجرأة الغائبة إلى حيز التصحيح و من قبله إلى الغربلة الشاملة للمنظومات الأخلاقية و التعاملية السائدة في الاستحكام الجامد الذي همش نفوذ التوجيه الديني المستقيم إن لم يكن طوعه لمقاصده في بعض أبعاد التجليات المعتقدية.. و إن في هذا المنحى لمستحق النظر. و لكي يتسنى مثل هذا التحول الذي ترجوه كل جوارح الأمة المعطلة، و لكنها النابضة بروح الأمل في دياجير الاختلال، فإن ما يجب القيام به يتمثل: أولا: في رصد المفردات الشائعة لفظا على غرابتها المطلقة و سوء نسجها من خبائث النفس الأمارة بالسوء و المترجمة عمليا إلى واقع أليم يكبل يوما بعد يوم كل الجهود التي يفرضها واقع الحداثة و يصدح بها صوت الحق و تؤكدها عيون العالم من حول البلد، ثانيا: في وجوب تقييم كل مفردة لاستنباط مغازيها و استجلاء أوجه استخداماتها من حيث الدلالات و الأهداف و النتائج، ثالثا: في إلحاحية لقيام بعمل "تربوي" و "تهذيبي" و "توجيهي في العمق "على كل المستويات و الدرجات والسلم: o لتخليص المعجم اللغوي العام من عديد المفردات التي تحملُ في الممارسة على القيام بأعمال مشينة دون أيما اكتراث بالعواقب الهدامة كـ"الكزرة" و "اتفكريش" على سبيل المثال، وتبيتُ لمفاهيم خبيثة كانتزاع شيئ بغير وجه حق و تسيير المال العام على غير الوجه المطلوب بجرأة مطلقة و إقصاء الآخر بٍسفاهة المآرب؛ o و لفك ارتباطها بمفردات مسار البلد في خضم العولمة إن لم يكن ثمة ما يحمل على تحويل مفاهيمها و دلالاتها إلى ما يمكن أن يحتسب داخل الإطار العام لإثراء المنظومة التعبيرية في دائرة اللغة الرصينة الحاملة على رفع مستوى تحضر المواطنين وإعلاء حكم مسطرة الدولة الحديثة و القيم الأخلاقية والتعاملية البينية ومع الدوائر الخارجية. و إن للمعجم حقا في هذه البلاد من المفردات ما يبرر حكم صفات الانتقائية و الزبونية و المحسوبية و الاتكالية و الوصولية، و هي الآفات متفرقة أو مجتمعة التي تنخر جسم البلد و لا تدعه يتخطى قيد أنملة عتبة الفقر و التخلف... أمراض تتسلل مع أشعة الشمس الأولى من فجر كل يوم و تتغلغل في نفوس لم تكد تبرحها إلا أن تطردها براءة النوم ليناديها من بعدُ إسراف اليقظة المحموم. لا إدارة و لا مؤسسة تخلو من تفاعل هذه الشوائب، و لا تسلم معاملة من تأثيراتها الجانبية إن لم تكن المباشرة تبعا للظروف الحاصلة و مقدرات المكان و الزمان. و إن بها، آفات خسيسة، قد اعتلى الظلمُ صهوةَ الواقع المرير و استوطن حيز الظل من تحت كل جناح إلى أن بات الجميع، من قاعدة الهرم إلى قمته، يظلِمُ كلما أتاحت له الظروف ذلك تسلطا أو انتقاما أو دفعا واتقاء لظلم الآخر.. و لما لم يكن القتل و الاعتداء البدني أو اللفظي الحاد حتى، عادة متبعة و لا عقلية محببة - في مفارقة عجيبة مع أنماط المسلكيات في مجتمعات أخرى بفضل المعتقد الإسلامي الذي يحرم النفس البشرية - فإن كل أمر دون ذلك مهما عظم شأنه مقبول و مباح في ساحة و معترك الحياة التي ودعت كل فضيلة و أذابت كل خلق حميد في غياهب مقاصد السلطة و الجاه. |