الإخوان .. ضياع الصندوق الأسود / عبد الله الراعي |
الثلاثاء, 08 أبريل 2014 16:34 |
إن حالة الإرباك والتخبط التى تعيشها كتائب الإخوان في موريتانيا، مردها، إفشال مشروع الاخوان العالمي الذي نجحت السلطات الموريتانية في إيقافه من خلال ذلك القرار الشجاع بإغلاق مركز المستقبل للدارسات الاسيتراتجية " المعروف محليا" بجمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم، " ففي الوقت الذي يشهد فيه التيار في العالم الاسلامي والعربي مواجهة مفتوحة هدفها تجفيف منابعه بعد اتهامه بالارهاب من قبل العديد من الدول العربية قررت معظم مراكز الدراسات الاخوانية ترشيح موريتانيا كأول دولة مؤهلة لاحتضان مراكز القيادة الجديدة للإخوان في العالم وقداختيرت جمعية المستقبل لاحتضان الصندوق الأسود للتيار الاخواني"مركز الارشاد" ويعود اخيتار المستقبل لهذه المهمة الى جملة من الأسباب لعل من من أبرزها: مناخ الإستقرار الذي تنعم به موريتانيا، بالإضافة الى جو الحرية والديمقراطية والمكاسب السياسية، التى نجح إخوان موريتانيا في تحقيقها، وكذلك تجربة الجمعية خلال السنوات الماضية في إعداد الدراسات وتكوين شبكة عالمية من الاطر المكونين في هذا المجال واعتمادا على هذه المعطيات قرر التيار المحاصر في مصر ومعظم الدول العربية، البحث عن مركز جديد لقيادته وإدارة أمواله، الضخمة المشتت في العالم خاصة في دول الخليج التى ظلت لوقت قريب هي المنبع الأول لمصادر التمويل التى تحرك مشروع الإخوان السياسي ، وقد جاء اختيار المستقبل بعد دراسة العديد من التقارير التى قدمتها الشبكة العالمية للأخوان حول أداء الجمعية وسرعة آلية تحريكها للمعلومات نحو جميع النقاط المستهدفة في العالم، حيث تتميز المستقبل بنوعية منتسبيها إذ انها تضم معظم القيادات في التيار الإخواني، بالإضافة الى مجموعة كبيرة من الدكاترة والأساتذة الجامعيين والباحيثين فضلا عن خلايا دعم في مختلف التخصصات ، وقد عمدت الجمعية خلال السنوات الماضية إلى الإستعانة ببعض الخبرات خاصة من الأتراك والمصرين الذين يشرفون بشكل دوري على تكوين كوا در الجمعية وتقديم الإستشارات الفنية في مجال التسير والتخطيط والتكوين ، ولاتعدو جميعة المستقبل كونها مركز إرشاد في نسخة معدلة لمراكز الارشاد الاخوانية في العالم، ومن المعلوم ضرورة الدور الكبير الذي تلعبه هيئة الارشاد في الفكر الإخواني، حيث تعتبر هي العقل المحرك لكل مشاريع الإخوان ومطبخ دراساتهم الإستشرافية ، فلم يكن اخيتيار اسم المستقبل صدفة، بل عن دراسة ووعي كبيرين بالأهداف المراد تحقيقها على المستوين الوطني والعالمي وليس اختيار مقاطعة عرفات ذات الكثافة السكانية العالية في قلب العاصمة انواكشوط، لتكون مقرا للجعية صدفة كذلك، بل إن الأمر مدروس بعناية كبيرة ، فمنذ ان قرر إخوان موريتانيا الإنخراط في العملية الديمقراطية، بدأتفكيرهم ينصب على تكوين مراكز للقيادة تكون قادرة على إعداد الدراسات وربط علاقات قوية مع باقي مراكز القيادة في الخارج خاصة في دول الخليج والمشرق العربي، ومن هنا بدأ التفكير في تكوين العديد من تلك المراكز تحت مسميات مختلفة من بينها جمعية المستقبل وجمعية يدا بيد وجمعية بسمة وأمل وغيرهم من الجمعيات التى لاتعدو كونها مظلة وغطاء للعديد من العمال السياسية الملبسة غطاء الأعمال الخيرية في ظاهرها لكن بخور السياسة لايمكنه ان يحجب لوقت طويل .. لقد وزعت الادوار بين هذه الجميعات بشكل محكم ومدروس وفي هذه النقطة بالتحديد من الضروري ان نذكربعض الادوار المنوطة بكل من جميعة "يدا بيد" وجمعية بسمة وأمل. لقد تم تكليف جمعية "يدا بيد" بالعمل على استمالة شريحة الزنوج حيث ان معظم منتسبي هذه الجمعية وقيادتها من شريحة الزنوج، وتنشط الجمعية في ولايات الضفة ومنطاق تواجد الزنوج في العاصمة انواكشوط خاصة في مقاطعتي السبخة والميناء بشكل أساسي، وقد نجحت هذه الجمعية في اكتتاب المئات من الافراد المقتنعين بالفكر الإخواني ، في ماتم تكليف جمعية بسمة وأمل بشريحة الفقراء المسحوقين خاصة الأرامل والايتام بهدف كسب ودهم وتجنيدهم في صفوف الإخوان عن طريق الإعانات التى تقدمها الجمعية، وقد نجحت هذه الجمعية في كسب تعاطف الآلاف من المواطنين الضعفاء وذلك عن طريق تلك الإعنات التى تعمد الجمعية على تقديمها خاصة في المناسبات والأعياد الدينية . فيما كلفت جمعية المستقبل بإعداد الدراسات وتمويل المشاريع التعليمة والصحية والتنموية ذات التمويلات الكبيرة خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية من منتسبي التيار ، ولا يقتصر دورها على هذه المهام فحسب بل إن جزءا كبيرا من دورها، موجه لتوطيد العلاقات مع مراكز القايدة في باقي دول العالم، وقد نجحت في هذه النقطة بشكل كبير كما أوضحنا سلفا . لكن ماهي الأسباب التى جعلت السلطات الموريتانية تقدم على إغلاق المستقبل بعد ما سمحت لها بالعمل لسنوات عديدة دون أي مضايقة ؟. قد يظن البعض ان الحصار العالمي لتيار الإخوان كان دافعا قويا لإقدام السلطات الامنية في البلاد على إغلاق مركز المستقبل للدراسات الاسترتجية "جمعية المستقبل " لكن الامر عار من الصحة تماما ، فالمستقبل ظلت تعمل لسنوات عديدة تحت أعين أجهزة الامن الوطنية، وهي على علم دقيق بتفاصيل عملها على المستوىين المحلي والدولي سواء تعلق الأمر بالمشاريع الكبيرة التى تسيرها المستقبل أو تعلق بعلاقتها الوطيدة بإخونجة العالم ، غير أن أولوية الديمقراطية والعمل السياسي لكل التشكلات الوطنية، كان ولا يزال في مقدمة أولويات وتوجه السلطات الوطنية خاصة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، الذي قرر بشكل معلن، ويعرفه الجميع، أن تنفتح الدولة الموريتانية بكل حرية ودون تقيد، على الممارسات الديمقراطية سبيلا الى تعزيز ديمقراطيتنا الوليدة، وفي هذا السياق فتح باب حرية الصحافة والعمل المدني والخيرى على مصراعيه ، فرخصت الدولة العديد من القنوات الفضائية والإذاعية ومئات الجمعيات الخرية والثقافية، وعشرات مراكز الدراسات ودعت الجميع الى كشف عمله وتوجهاته السياسية والأديولجية أمام الرأي العام الوطني، لأن العملية الديمقراطية تتطلب العمل بحساب مكشوف وشفافية تام تحترم المقدسات والثوابة الوطنية ، إلا أن فهم البعض للممارسة الديمقراطية ضلهم سواء السبيل ، أولعل الفكر الإخواني لاينسجم مع اللعبة الديمقراطية بسبب ولائه لحكم المرشد ..! وقد شكل الربيع العربي امتحانا في هذا المسار لتيار الإخوان، فانكشفوا امام شعوبهم بشكل لا ينسجم مع طموح وأحلام تلك الشعوب في أن تعيش الحرية والديمقراطية دون تقيد ولا إكراه . وبالعودة الى أسباب إغلاق جمعية المستقبل، فإن الاسباب تنحصر في المعلومات الموثقة والاكيدة بمحاولة التيار الاخواني تحويل مراكز قيادته الى موريتانيا، مستفيدا بذلك من مناخ الحرية والديمقراطية الذي تنعم به البلاد وهو أمر مرفوض بشكل قاطع ولا يمكن التساهل فيه تحت أي ظرف، ويعلم الجميع الممارسات ألا وطنية التى أقدم عليها بعض أنصار التيار الإخواني ضد وفد من الحكومة المصرية الحالية وهو تصرف تنكره الأعراف الدبلموماسية وترفضه قيم الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وكذلك الزيارات المتلاحقة لقيادات من التيار الى موريتانيا ودون كشف لأهداف الزيارة وفحوى أجندتها، وما تلا ذلك من محاولة زعزعة الامن والاستقرار بكل الوسائل خلال واقعة تمزيق المصحف الشريف، التى حاولت الكتائب الإخونجية أن ترتكبها بكل وقاحة وبؤس ،إذن لهذه الاسباب الخطيرة على الوطن، تم إغلاق مركز المستقبل لدراسات الاستيراتجية . وقد سال حبر الإخوان ودموعهم تحسرا على إغلاق المستقبل، التى تمثل قاطرتهم الأمامية في مشروعهم السياسي المشبوه ولم تتوانى كتائب التيار الإعلامية في توجيه حملة شرسة ضد شخص رئيس الجمهورية والرموز الدينة ونعتها بأشنع النعوت وأقدحها ، كما شنت الكتائب حملة متواصلة ضد أجهزة أمن الدولة . لست متفاجئا من هذه التصرفات لأن فكر الكتائب مبني على ممارسة الترهيب والتهديد والوعيد وكأنهم يمثلون جهازا أمنيا "دولة" داخل الدولة، وهذا بالتحديد ما يسعون إليه ، فهم بذلك يستنسخون أحداث المسلسل التركي "واد الذئاب "حيث تقوم فكرة المسلسل على أن العصابة إذا ماكانت لديها تمويلات ضخمة تسمح لها ببناء المستشفيات والمدارس والمجمعات التجارية وإنشاء النوادي الامنية وشبكات تبييض الاموال فإنها لاتنكسر ، وعلى نفس الاساس تقوم نظرية الفوضى الخلاقة التى نظرت لها مراكز الدراسات الإستراتجية في أمريكا سبيلا الى تفكيك الدول والمجتمعات من خلال بعض التيارات النشطة، وخاصة تلك التى لها قدرة سريعة على الحشد واقنتناص الفرص لإحلال الفوضى محل الامن وتحويل الدولة الى كيان غير مستقر يسهل على تلك المراكز التحكم في مستقبله ومصير شعوبه . إن الممارسة السياسية تتنافى مع العمل القذر، الذي ينخرط فيه بعض الفاعلين الساسين للأسف الشديد دون مراعات للقيم الوطنية والإجتماعية، التى تمثل السقف والحدود التى ينبغي ان يكون العمل السياسي محكوما بقدسيتها وضوابطها ،كما ترفض القيم الدينة والاخلاقية أن يستخدم الدين كأدات للحصول على بعض المكتسبات الدنوية مما يجعل تيارا بعينه يعتبر نفسه الوصي على الدين والأخلاق والأعمال الخيرية. إن الفرق بين الحقيقة والباطل سيظل واضحا لذوي العقول حتى ولو لبس الباطل ثوبا أبيض وعمامة بيضاء ومكث في الناس يخدعهم كما فعل بعض المستشرقين إبان احتلال المستعمر لبلادنا وليست قصة "ولد كيج النصراني" منا ببعيد . |